فصل: تأثير الحجامة على الإحرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء السابع عشر

حجاب

التّعريف

1 - الحجاب في اللّغة‏:‏ السّتر، وهو مصدر يقال حجب الشّيء يحجبه حجبا وحجابا‏:‏ أي ستره، وقد احتجب وتحجّب إذا اكتنّ من وراء حجاب‏.‏ والحجاب اسم ما احتجب به، وكلّ ما حال بين شيئين فهو حجاب‏.‏ والحجاب كلّ ما يستر المطلوب ويمنع من الوصول إليه كالسّتر والبوّاب والجسم والعجز والمعصية‏.‏‏:‏ وقوله تعالى ‏{‏ومن بيننا وبينك حجاب‏}‏، معناه‏:‏ ومن بيننا وبينك حاجز في النّحلة والدّين‏.‏ والأصل في الحجاب أنّه جسم حائل بين جسدين‏.‏ وقد استعمل في المعاني، فقيل‏:‏ العجز حجاب بين الإنسان ومراده، والمعصية حجاب بين العبد وربّه‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه اللّغويّ الّذي هو السّتر والحيلولة‏.‏ والحاجب يأتي بمعنى المانع، ويأتي بمعنى العظم الّذي فوق العين بلحمه وشعره‏.‏ وينظر ما يتّصل بهما من أحكام في مصطلح‏:‏ ‏(‏حاجب‏)‏‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الخمار‏:‏

2 - الخمار من الخمر وأصله السّتر، ومنه قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏خمّروا آنيّتكم‏}‏ وكلّ ما يستر شيئا فهو خماره‏.‏ لكنّ الخمار صار في التّعارف اسما لما تغطّي به المرأة رأسها‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للخمار في بعض الإطلاقات عن المعنى اللّغويّ، ويعرّفه بعض الفقهاء بأنّه ما يستر الرّأس والصّدغين أو العنق‏.‏ والفرق بين الحجاب والخمار أنّ الحجاب ساتر عامّ لجسم المرأة، أمّا الخمار فهو في الجملة ما تستر به المرأة رأسها‏.‏ النّقاب‏:‏

3 - النّقاب - بكسر النّون - ما تنتقب به المرأة، يقال انتقبت المرأة وتنقّبت غطّت وجهها بالنّقاب‏.‏ والفرق بين الحجاب والنّقاب، أنّ الحجاب ساتر عامّ، أمّا النّقاب فساتر لوجه المرأة فقط

الحكم الإجمالي

4 - للفظ الحجاب إطلاقان‏:‏ أحدهما‏:‏ استعماله في الحسّيّات، وهو الجسم الّذي يحول بين شيئين‏.‏ والثّاني‏:‏ استعماله في المعاني، وهو الأمر المعنويّ الّذي يحول دون الوصول إلى المطلوب‏.‏ وتختلف أحكامه في كلّ ذلك باختلاف مواضعه‏.‏ أوّلا‏:‏ استعماله في الحسّيّات، ومن ذلك ما يلي‏:‏

1 - الحجاب بالنّسبة للعورة‏:‏

5 - اتّفق الفقهاء على وجوب حجب عورة المرأة والرّجل البالغين بسترها عن نظر الغير الّذي لا يحلّ له النّظر إليها‏.‏ وعورة المرأة الّتي يجب عليها حجبها عن الأجنبيّ هي في الجملة جميع جسدها عدا الوجه والكفّين، وهي بالنّسبة للمحرم من الرّجال ما عدا الوجه والرّأس والعنق والذّراع، قال الحنفيّة‏:‏ وما عدا الصّدر والسّاقين، وقال الشّافعيّة‏:‏ ما عدا ما بين السّرّة والرّكبة، وبالنّسبة لمثلها من النّساء ما بين السّرّة والرّكبة‏.‏ وعورة الرّجل الّتي يجب حجبها عن الغير هي ما بين السّرّة والرّكبة مع الاختلاف في حجب الفخذ‏.‏ وهذا في الجملة‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏عورة‏)‏‏.‏

والدّليل على وجوب حجب العورة عمّن لا يحلّ له النّظر إليها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ اللّه خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الآية‏.‏ وقول ‏{‏النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأسماء‏:‏ يا أسماء إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلاّ هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفّيه‏}‏‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم بالنّسبة للرّجال‏:‏ ‏{‏عورة الرّجل ما بين سرّته إلى ركبته‏}‏ ووجوب حجب العورة إنّما يتحقّق بما يحول بين النّاظر ولون البشرة أو حجم الأعضاء‏.‏ وكما يجب حجب العورة عن نظر الغير فإنّه يستحبّ - وقيل يجب - حجبها في الخلوة حياء من اللّه تعالى‏.‏ هذا مع مراعاة أنّه لا حجاب بين الرّجل وزوجته‏.‏ فعن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جدّه قال‏:‏ ‏{‏قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ‏؟‏ قال‏:‏ احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه‏:‏ إذا كان القوم بعضهم في بعض ‏؟‏ قال‏:‏ إن استطعت أن لا يرينّها أحد فلا يرينّها، قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه إذا كان أحدنا خاليا ‏؟‏ قال‏:‏ اللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس‏}‏‏.‏ والصّغيرة إن كانت بنت سبع سنين إلى تسع فعورتها الّتي يجب حجبها هي ما بين السّرّة والرّكبة، وإن كانت أقلّ من سبع سنين فلا حكم لعورتها، وهذا كما يقول الحنابلة‏.‏ كما أنّه يجب على المرأة أن تحتجب من المراهق الّذي يميّز بين العورة وغيرها، وهذا في الجملة‏.‏ فإن كان صغيرا لا يميّز بين العورة وغيرها فلا بأس من إبداء الزّينة له لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ لبعولتهنّ أو آبائهنّ أو آباء بعولتهنّ أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ أو إخوانهنّ أو بني إخوانهنّ أو بني أخواتهنّ أو نسائهنّ أو ما ملكت أيمانهنّ أو التّابعين غير أولي الإربة من الرّجال أو الطّفل الّذين لم يظهروا على عورات النّساء‏}‏‏.‏ ويستثنى من وجوب حجب العورة إباحة كشفها للحاجة والضّرورة كالتّداوي والختان والشّهادة وغير ذلك‏.‏ فعن عطيّة القرظيّ قال‏:‏ كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشّعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت‏.‏ وفي كلّ ما سبق تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏عورة‏)‏‏.‏

2 - الاحتجاب أثناء قضاء الحاجة‏:‏

6 - يستحبّ لقاضي الحاجة في الفضاء أن يستتر عن أعين النّاس بحيث لا يرى جسمه‏.‏ أمّا بالنّسبة للعورة فيجب حجبها، فإن وجد حائطا أو كثيبا أو شجرة استتر به، وإن لم يجد شيئا أبعد حتّى لا يراه أحد، لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ ‏{‏من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلاّ أن يجمع كثيبا من الرّمل فليستدبره‏}‏ وهذا في الجملة وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏استنجاء‏)‏‏.‏

3 - الحجاب الّذي يمنع الاقتداء بالإمام في الصّلاة‏:‏

7 - من شرائط الاقتداء أن لا يحول بين المأموم والإمام ما يمنع متابعته‏.‏ فإن كان بين الإمام والمأموم جدار لا باب فيه، أو كان بينهما باب مغلق يحول من المتابعة لم يصحّ الاقتداء، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها لنساء كنّ يصلّين في حجرتها‏:‏ لا تصلّين بصلاة الإمام فإنّكنّ دونه في حجاب، وهذا في الجملة‏.‏ وينظر ذلك في ‏(‏اقتداء‏)‏‏.‏

4 - الطّلاق من وراء حجاب‏:‏

8 - من خاطب زوجته بالطّلاق وهو يظنّها أجنبيّة بأن كانت في ظلمة، أو من وراء حجاب وقع الطّلاق، كما جاء في مغني المحتاج، لأنّه أتى باللّفظ عن قصد واختيار، وعدم رضاه بوقوعه لظنّه أنّه لا يقع لا أثر له لخطأ ظنّه، وقال النّوويّ في الرّوضة‏:‏ تطلق عند الأصحاب، وفيه احتمال لإمام الحرمين وهذا في الجملة‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏طلاق‏)‏‏.‏

5 - احتجاب القاضي‏:‏

9 - لا يجوز للقاضي أن يحتجب عن النّاس من غير عذر إلاّ في أوقات استراحته لما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏من ولي من أمر النّاس شيئا فاحتجب دون خلّتهم وحاجتهم وفاقتهم احتجب اللّه دون خلّته وفاقته وحاجته وفقره‏}‏‏.‏ وكره الشّافعيّة والحنابلة أن يتّخذ القاضي حاجبا، لأنّ حاجبه ربّما قدّم المتأخّر وأخّر المتقدّم، فإن دعت حاجة إلى ذلك اتّخذ أمينا بعيدا من الطّمع‏.‏ وأجاز المالكيّة والحنفيّة أن يتّخذ القاضي حاجبا لمنع دخول من لا حاجة له وتأخير من جاء بعد حتّى يفرغ السّابق من قضيّته‏.‏ أمّا الأمير فإنّه يجوز له أن يتّخذ حاجبا، لأنّه ينظر في جميع المصالح فتدعوه الحاجة إلى أن يجعل لكلّ مصلحة وقتا لا يدخل فيه أحد‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏حاجب‏)‏

6 - الشّهادة بالسّماع من وراء حجاب‏:‏

10 - مدرك العلم الّذي تقع به الشّهادة الرّؤية والسّماع، والرّؤية تكون في المشهود عليه من الأفعال كالجناية والغصب والزّنى والسّرقة وغيرها ممّا يدرك بالعين، لأنّها لا تدرك إلاّ بها، وإن كان المشهود عليه من العقود فقد اختلف الفقهاء هل لا بدّ من الرّؤية والسّماع ‏؟‏ أم يكفي السّماع فقط ‏؟‏ فعند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة يكفي السّماع إذا عرف القائل وتحقّق أنّه كلامه جاء في فتح القدير‏:‏ لو سمع من وراء حجاب كثيف لا يشفّ من ورائه لا يجوز له أن يشهد، ولو شهد وفسّره للقاضي بأن قال‏:‏ سمعته باع ولم أر شخصه حين تكلّم لا يقبله، لأنّ النّغمة تشبه النّغمة، إلاّ إذا أحاط بعلم ذلك، لأنّ المسوّغ هو العلم غير أنّ رؤيته متكلّما بالعقد طريق العلم، فإذا فرض تحقّق طريق آخر جاز، وذلك بأن يكون دخل البيت فرآه فيه وعلم أنّه ليس به أحد غيره ولا منفذ غير الباب، وهو قد جلس عليه وسمع الإقرار أو البيع، فإنّه حينئذ يجوز له الشّهادة عليه بما سمع، لأنّه حصل به العلم في هذه الصّورة‏.‏ أمّا عند الشّافعيّة فلا بدّ من الرّؤية مع السّماع وهذا في الجملة‏.‏ كما أنّه لا يجوز أن يشهد إنسان على منتقبة حتّى تكشف عن وجهها ليشهد على عينها ووصفها لتتعيّن لأداء الشّهادة عليها وذلك لا يكون مع الانتقاب، وهذا في الجملة‏.‏ وتفصيل ذلك في ‏(‏شهادة‏)‏‏.‏ وينظر تفصيل ما تقبل فيه الشّهادة بالسّماع في مصطلح‏:‏ ‏(‏تسامع‏)‏‏.‏

ثانيا‏:‏ استعمال الحجاب في المعاني

11 - يستعمل لفظ الحجاب مجازا في المعاني وذلك كما جاء في حديث ‏{‏معاذ بن جبل لمّا بعثه النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له‏:‏‏.‏‏.‏‏.‏ واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينه وبين اللّه حجاب‏}‏‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ قوله ‏(‏حجاب‏)‏ أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع والمراد أنّها مقبولة وإن كان عاصيا، وليس المراد أنّ للّه تعالى حجابا يحجبه عن النّاس، وقال الطّيبيّ‏:‏ ليس بينها وبين اللّه حجاب تعليل للاتّقاء وتمثيل للدّعاء كمن يقصد دار السّلطان متظلّما فلا يحجب‏.‏ وقال الحافظ العلائيّ‏:‏ المراد بالحاجب والحجاب نفي عدم إجابة دعاء المظلوم ثمّ استعار الحجاب للرّدّ، فكان نفيه دليلا على ثبوت الإجابة، والتّعبير بنفي الحجاب أبلغ من التّعبير بالقبول، لأنّ الحجاب من شأنه المنع من الوصول إلى المقصود فاستعير نفيه لعدم المنع‏.‏ ومن ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏ما منكم من أحد إلاّ سيكلّمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه‏}‏‏.‏

2 - الحجب في الميراث‏:‏

12 - الحجب في الميراث معناه شرعا‏:‏ منع من قام به سبب الإرث بالكلّيّة أو من أوفر حظّيه، ويسمّى الأوّل حجب حرمان، والثّاني حجب نقصان‏.‏ وحجب الحرمان قسمان، حجب بالوصف ويسمّى منعا كالقتل والرّقّ، ويمكن دخوله على جميع الورثة‏.‏ وحجب بالشّخص أو الاستغراق، كالأخ لأبوين أو لأب يحجبه الأب والابن وابن الابن‏.‏ وحجب النّقصان كحجب الولد الزّوج من النّصف إلى الرّبع‏.‏ وتفصيل ذلك ينظر في ‏(‏إرث - حاجب‏)‏‏.‏

حجاز

التّعريف

1 - الحجاز لغة من الحجز، وهو الفصل بين الشّيئين‏.‏ قال الأزهريّ‏:‏ الحجز أن يحجز بين متقاتلين، والحجاز الاسم وكذا الحاجز، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وجعل بين البحرين حاجزا‏}‏ أي حجازا بين ماء ملح وماء عذب لا يختلطان، وذلك الحجاز قدرة اللّه‏.‏ ويقال للجبال أيضا حجاز، أي لأنّها تحجز بين أرض وأرض‏.‏ والحجاز البلد المعروف، سمّي بذلك من الحجز الّذي هو الفصل بين الشّيئين، قيل‏:‏ لأنّه فصل بين الغور ‏(‏أي تهامة‏)‏ والشّام والبادية‏.‏ وقيل‏:‏ لأنّه فصل بين تهامة ونجد‏.‏ وقال الأزهريّ‏:‏ سمّي حجازا لأنّ الحرار حجزت بينه وبين عالية نجد‏.‏ وقد اختلفت عبارات اللّغويّين في بيان ما يدخل تحت اسم الحجاز وبيان حدوده، فقال ياقوت الحمويّ‏:‏ الحجاز الجبل الممتدّ الّذي حال بين الغور، غور تهامة، ونجد، ثمّ نقل عن الأصمعيّ الحجاز من تخوم صنعاء من العبلاء وتبالة إلى تخوم الشّام‏.‏ وقريب منه قول هشام الكلبيّ إنّ جبل السّراة من قعرة اليمن إلى أطراف بوادي الشّام سمّته العرب حجازا، فصار ما خلفه إلى سيف البحر غور تهامة، وما دونه في شرقيّه إلى أطراف العراق والسّماوة نجدا‏.‏ والجبل نفسه وهو سراته وما احتجز به في شرقيّه من الجبال وانحاز إلى ناحية فيه هو الحجاز‏.‏ وأمّا في اصطلاح الفقهاء وخاصّة عند الشّافعيّة والحنابلة الّذين قصروا حكم جزيرة العرب الوارد في الحديث، فبيان مرادهم بالحجاز كما يلي‏:‏ قال الشّافعيّ‏:‏ والحجاز مكّة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلّها‏.‏ ثمّ قال‏:‏ «ولا يتبيّن أن يمنعوا ركوب بحر الحجاز، ويمنعون من المقام في سواحله، وكذلك إن كانت في بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن منعوا من سكناها لأنّها من أرض الحجاز»‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر في المنهاج وشرحه من مدن الحجاز وقراه‏:‏ مكّة والمدينة واليمامة وقراها كالطّائف ووجّ وجدّة والينبع وخيبر، ‏(‏وأضاف عميرة البرلّسيّ فدكا‏)‏‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ الكافر يمنع من الإقامة بجزائر بحر الحجاز ولو كانت خرابا، ومن الإقامة في بحر في الحجاز ولو في سفينة‏.‏ وفسّر القليوبيّ اليمامة بأنّها البلد الّتي كان فيها مسيلمة، والّتي سمّيت باسمها زرقاء اليمامة‏.‏ وهذا يقتضي أنّ الحجاز عند الشّافعيّة - وعند الحنابلة كما يأتي - يشمل ما هو شرقيّ جبال الحجاز حتّى اليمامة وقراها وهي منطقة الرّياض الآن، أو ما كان يسمّى قديما العرض أو العارض وهي بعض العروض، جاء في معجم البلدان‏:‏ العروض اليمامة والبحرين وما والاهما‏.‏ وليست البحرين وقاعدتها هجر من الحجاز‏.‏ وكذلك فسّره الحنابلة‏:‏ فإنّهم عندما تعرّضوا لما يمنع الكفّار من سكناه بيّنوا أنّ المراد بجزيرة العرب في الحديث ‏(‏الحجاز‏)‏‏.‏ جاء في المغني‏:‏ قال أحمد، في حديث ‏{‏أخرجوا المشركين من جزيرة العرب‏}‏‏:‏ جزيرة العرب المدينة وما والاها، قال ابن قدامة‏:‏ يعني أنّ الممنوع من سكنى الكفّار المدينة وما والاها وهو مكّة واليمامة وخيبر والينبع وفدك ومخاليفها وما والاها‏.‏ وجاء في كلامه ما يدلّ على أنّ تيماء وفيدا ونحوهما لا يمنع أهل الذّمّة من سكناها وكذلك اليمن ونجران وتيماء وفيد من بلاد طيئ‏.‏ وجاء في مطالب أولي النّهى‏:‏ يمنع أهل الذّمّة من الإقامة بالحجاز، وهو ما حجز بين تهامة ونجد‏.‏ والحجاز كالمدينة واليمامة وخيبر والينبع وفدك وقراها، وفدك قرية بينها وبين المدينة يومان‏.‏ وقال ابن تيميّة‏:‏ ومن الحجاز تبوك ونحوها، وما دون المنحنى وهو عقبة الصّوّان يعتبر من الشّام كمعان‏.‏

الأحكام الشّرعيّة المتعلّقة بالحجاز

2 - الأحكام الشّرعيّة المتعلّقة بجزيرة العرب ومنها الحجاز ترجع أساسا إلى أربعة أحكام‏:‏ الأوّل‏:‏ أنّها لا يسكنها غير المسلمين‏.‏ والثّاني‏:‏ أنّها لا يدفن بها أحد من غير المسلمين‏.‏ والثّالث‏:‏ أنّها لا يبقى بها دار عبادة لغير المسلمين‏.‏ والرّابع‏:‏ أنّها زكويّة كلّها لا يؤخذ من أرضها خراج‏.‏ وقد ذكر ذلك وأدلّته وتفصيله والخلاف فيه تحت عنوان ‏(‏أرض العرب‏)‏ لكنّ المراد هنا بيان أنّ أرض العرب نوعان‏:‏ الأوّل‏:‏ ما اتّفق فيه الفقهاء على أنّه مراد بأرض العرب الواردة أحكامها في الأحاديث، فتنطبق عليه الأحكام المذكورة إجماعا، وهو أرض الحجاز‏.‏ والثّاني‏:‏ ما اختلف في أنّه مراد بالأحاديث الواردة في شأن أرض العرب وهو ما عدا أرض الحجاز، كالبحرين، واليمن، وما وراء جبال طيئ إلى حدود العراق‏.‏ فالحنفيّة والمالكيّة يرون أنّها مرادة بالأحاديث الواردة وتنطبق عليها أحكامها‏.‏ والشّافعيّة والحنابلة يرون أنّها غير مرادة ولا تنطبق عليها تلك الأحكام‏.‏ وانظر للتّفصيل مصطلح‏:‏ ‏(‏أرض العرب‏)‏‏.‏

حجامة

التّعريف

1 - الحجامة‏:‏ مأخوذة من الحجم أي المصّ‏.‏ يقال‏:‏ حجم الصّبيّ ثدي أمّه إذا مصّه‏.‏ والحجّام المصّاص، والحجامة صناعته والمحجم يطلق على الآلة الّتي يجمع فيها الدّم وعلى مشرط الحجّام فعن ابن عبّاس‏:‏ الشّفاء في ثلاث شربة عسل وشرطة محجم وكيّة نار‏.‏ والحجامة في كلام الفقهاء قيّدت عند البعض بإخراج الدّم من القفا بواسطة المصّ بعد الشّرط بالحجم لا بالفصد‏.‏ وذكر الزّرقانيّ أنّ الحجامة لا تختصّ بالقفا بل تكون من سائر البدن‏.‏ وإلى هذا ذهب الخطّابيّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الفصد‏:‏

2 - فصد يفصد فصدا وفصادا‏:‏ شقّ العرق لإخراج الدّم‏.‏ وفصد النّاقة شقّ عرقها ليستخرج منه الدّم فيشربه‏.‏ فالفصد والحجامة يجتمعان في أنّ كلّا منهما إخراج للدّم، ويفترقان في أنّ الفصد شقّ العرق، والحجامة مصّ الدّم بعد الشّرط‏.‏

الحكم التّكليفي

3 - التّداوي بالحجامة مندوب إليه، وورد في ذلك عدّة أحاديث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم منها قوله‏:‏ ‏{‏خير ما تداويتم به الحجامة‏}‏ ومنها قوله‏:‏ ‏{‏خير الدّواء الحجامة‏}‏‏.‏ ومنها ما رواه الشّيخان‏:‏ ‏{‏إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار توافق الدّاء، وما أحبّ أن أكتوي‏}‏‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالحجامة

4 - اعتنى الفقهاء ببيان أحكام الحجامة من حيث تأثيرها على الطّهارة، وعلى الصّوم، وعلى الإحرام‏.‏ ومن حيث القيام بها، وأخذ الأجر عليها، والتّداوي بها‏.‏ تأثير الحجامة على الطّهارة‏:‏

5 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ خروج الدّم بالحجامة ناقض من نواقض الوضوء‏.‏ قال السّرخسيّ‏:‏ الحجامة توجب الوضوء وغسل موضع المحجمة عندنا، لأنّ الوضوء واجب بخروج النّجس، فإن توضّأ ولم يغسل موضع المحجمة، فإن كان أكثر من قدر الدّرهم لم تجزه الصّلاة، وإن كان دون ذلك أجزأته‏.‏ والفصد مثل الحجامة في نقض الوضوء‏.‏ فإذا افتصد وخرج منه دم كثير، وينتقض أيضا إذا مصّت علقة عضوا وأخذت من الدّم قدرا يسيل منها لو شقّت‏.‏ وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ الحجامة والفصد ومصّ العلق لا يوجب واحد منها الوضوء‏.‏ قال الزّرقانيّ‏:‏ لا ينتقض الوضوء بحجامة من حاجم ومحتجم وفصد‏.‏ وفي الأمّ ‏"‏ لا وضوء في قيء ولا رعاف ولا حجامة ولا شيء خرج من الجسد وأخرج منه غير الفروج الثّلاثة القبل والدّبر والذّكر»‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّ ما خرج من الدّم موجب للوضوء إذا كان فاحشا‏.‏ وفي حدّ الفاحش عندهم خلاف‏:‏ فقيل‏:‏ الفاحش ما وجده الإنسان فاحشا كثيرا‏.‏ قال ابن عقيل‏:‏ إنّما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط النّاس لا المتبذّلين ولا الموسوسين‏.‏ وقيل‏:‏ هو مقدار الكفّ‏.‏ وقيل‏:‏ عشرة أصابع‏.‏

تأثير الحجامة على الصّوم

6 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الحجامة جائزة للصّائم إذا كانت لا تضعفه، ومكروهة إذا أثّرت فيه وأضعفته، يقول ابن نجيم‏:‏ الاحتجام غير مناف للصّوم وهو مكروه للصّائم‏.‏ إذا كان يضعفه عن الصّوم، أمّا إذا كان لا يضعفه فلا بأس به‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّ المحتجم إمّا أن يكون ضعيف البدن لمرض أو خلقة‏.‏ وفي كلّ إمّا أن يغلب على ظنّه أنّ الاحتجام لا يضرّه، أو يشكّ أو يغلب على ظنّه أنّه إن احتجم لا يقوى على مواصلة الصّوم‏.‏ فمن غلب على ظنّه أنّه لا يتضرّر بالحجامة جاز له أن يحتجم‏.‏ ومن غلب على ظنّه أنّه سيعجز عن مواصلة الصّوم إذا هو احتجم حرم عليه‏.‏ إلاّ إذا خشي على نفسه هلاكا أو شديد أذى بتركه، فيجب عليه أن يحتجم ويقضي إذا أفطر ولا كفّارة عليه‏.‏ ومن شكّ في تأثير الحجامة على قدرته على مواصلة الصّوم فإن كان قويّ البنية جاز له، وإن كان ضعيف البدن كره له‏.‏

والفصادة مثل الحجامة فتكره للمريض دون الصّحيح كما في الإرشاد‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا يفطر الصّائم بالفصد أو الحجامة يقول الخطيب الشّربينيّ‏:‏ أمّا الفصد فلا خلاف فيه، وأمّا الحجامة فلأنّه ‏{‏صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم‏}‏‏.‏ وهو ناسخ لحديث‏:‏ ‏{‏أفطر الحاجم والمحجوم‏}‏‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّ الحجامة تؤثّر في الحاجم والمحجوم ويفطر كلّ منهما‏.‏ يقول ابن قدامة‏:‏ الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم، وبه قال إسحاق وابن المنذر‏.‏ ومحمّد بن إسحاق بن خزيمة، وهو قول عطاء وعبد الرّحمن بن مهديّ‏.‏ وكان الحسن ومسروق وابن سيرين لا يرون للصّائم أن يحتجم‏.‏ وكان جماعة من الصّحابة يحتجمون ليلا في الصّوم منهم ابن عمر وابن عبّاس وأبو موسى وأنس‏.‏ واستدلّوا بقوله صلى الله عليه وسلم ‏{‏أفطر الحاجم والمحجوم‏}‏‏.‏

تأثير الحجامة على الإحرام

7 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الحجامة لا تنافي الإحرام‏.‏ قال ابن نجيم‏:‏ وممّا لا يكره له أيضا - أي للمحرم - الاكتحال بغير المطيّب وأن يختتن ويفتصد‏.‏ ويقلع ضرسه، ويجبر الكسر، ويحتجم»‏.‏ فالحجامة إذا لم يترتّب عليها قلع الشّعر لا تكره للمحرم، أمّا إذا ترتّب على ذلك قلع شعر، فإن حلق محاجمه واحتجم فيجب عليه دم‏.‏ ولا يضرّ تعصيب مكان الفصد‏:‏ يقول ابن عابدين‏:‏ ‏(‏وإن لزم تعصيب اليد لما قدّمناه من أنّ تعصيب غير الوجه والرّأس إنّما يكره له بغير عذر‏)‏‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّ الحجامة في الإحرام‏:‏ إن كانت لعذر فجواز الإقدام عليها ثابت قولا واحدا، وإن كانت لغير عذر حرمت إن لزم قلع الشّعر‏.‏ وكرهت إن لم يلزم منه ذلك، لأنّ الحجامة قد تضعفه قال مالك‏:‏ لا يحتجم المحرم إلاّ من ضرورة‏.‏ علّق عليه الزّرقانيّ أي يكره لأنّه قد يؤدّي إلى ضعفه كما كره صوم يوم عرفة للحاجّ مع أنّ الصّوم أخفّ من الحجامة‏.‏ واستدلّوا بما روى مالك في الموطّأ عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار ‏{‏أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم فوق رأسه‏}‏، وفي رواية الصّحيحين وسط رأسه، وفي رواية علّقها البخاريّ ‏{‏احتجم من شقيقة كانت به‏}‏ وللنّسائيّ من وثء ‏(‏وهو رضّ العظم بلا كسر‏)‏ وهو يومئذ بلحي جمل ولأبي داود والحاكم والنّسائيّ عن أنس ‏{‏على ظهر القدم من وجع كان به‏}‏ ولفظ الحاكم ‏{‏على ظهر القدمين‏}‏‏:‏ يقول الزّرقانيّ‏:‏ وهذا يدلّ على تعدّدها منه في الإحرام‏.‏ وعلى الحجامة في الرّأس وغيره للعذر‏.‏ وهو إجماع، ولو أدّت إلى قلع الشّعر‏.‏ لكن يفتدي إذا قلع الشّعر‏.‏ وأمّا الفصد فيقول الزّرقانيّ‏:‏ وجاز فصد لحاجة وإلاّ كره إن لم يعصبه، فإن عصّبه ولو لضرورة افتدى‏.‏ وعند الشّافعيّة قال النّوويّ‏:‏ إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمّنت قطع شعر فهي حرام لقطع الشّعر وإن لم تتضمّنه جازت‏.‏ واستدلّ بما روى البخاريّ عن ابن بحينة رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏احتجم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو محرم بلحي جمل في وسط رأسه‏}‏‏.‏ واستدلّ بهذا الحديث على جواز الفصد، وبطّ الجرح، وقطع العرق، وقلع الضّرس، وغير ذلك من وجوه التّداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهي عنه المحرم من تناول الطّيب، وقطع الشّعر، ولا فدية عليه في شيء من ذلك‏.‏ وذهب الحنابلة إلى جواز الاحتجام للمحرم إذا لم يقلع شعرا دون تفصيل، وإن اقتلع شعرا من رأسه أو من بدنه فإن كان لغير عذر حرم‏.‏ وإن كان لعذر جاز‏.‏ ويجب على من اقتلع شعرا بسبب الحجامة فدية في ثلاث شعرات مدّ عن كلّ واحدة‏.‏ وإن كانت أربع شعرات فأكثر وجب عليه صيام ثلاثة أيّام أو إطعام ثلاثة آصع أو ذبح شاة‏.‏ والفصد مثل الحجامة في الأحكام‏.‏

امتهان الحجامة وأخذ الأجر عليها

8 - ذهب جمهور الفقهاء ‏(‏الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في قول‏)‏ إلى جواز اتّخاذ الحجامة حرفة وأخذ الأجرة عليها، واستدلّوا بما روى ابن عبّاس قال‏:‏ ‏{‏احتجم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجّام أجره‏}‏، ولو علمه حراما لم يعطه وفي لفظ ‏{‏لو علمه خبيثا لم يعطه‏}‏‏.‏ ولأنّها منفعة مباحة فجاز الاستئجار عليها كالبناء والخياطة، ولأنّ بالنّاس حاجة إليها ولا نجد كلّ أحد متبرّعا بها، فجاز الاستئجار عليها كالرّضاع‏.‏ وذهب الحنابلة في قول آخر نسبه القاضي إلى أحمد قال‏:‏ لا يباح أجر الحجّام، فإذا أعطي شيئا من غير عقد ولا شرط فله أخذه، ويصرفه في علف دوابّه ومؤنة صناعته، ولا يحلّ له أكله، واستدلّ لهذا القول بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏كسب الحجّام خبيث‏}‏‏.‏

ضمان الحجّام

9 - الحجّام لا يضمن إذا فعل ما أمر به وتوفّر شرطان‏:‏

أ - أن يكون قد بلغ مستوى في حذق صناعته يمكّنه من مباشرتها بنجاح‏.‏

ب - أن لا يتجاوز ما ينبغي أن يفعل في مثله‏.‏ وتفصيله في تداو وتطبيب‏.‏

حجب

التّعريف

1 - الحجب لغة مصدر حجب يقال‏:‏ حجب الشّيء يحجبه حجبا إذا ستره، وقد احتجب وتحجّب إذا اكتنّ من وراء حجاب‏.‏ وحجبه منعه عن الدّخول، وكلّ ما حال بين الشّيئين فهو حجاب، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن بيننا وبينك حجاب‏}‏‏.‏ وكلّ شيء منع شيئا فقد حجبه، وسمّي البوّاب حاجبا لأنّه يمنع من أراد الدّخول‏.‏ وأكثر ما يستعمل الحجب في الميراث وهو اصطلاحا‏:‏ منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلّيّة ويسمّى حجب حرمان، أو من أوفر حظّيه ويسمّى حجب نقصان‏.‏ وقد يستعمل في الحضانة والولاية بمعنى منع الشّخص من دونه من ذلك الحقّ كما يقال‏:‏ الأمّ تحجب كلّ حاضنة سواها، ما لم تتزوّج بمحرم من الصّغير، وفي الولاية يقال‏:‏ إنّ الوليّ الأقرب يحجب الوليّ الأبعد‏.‏ وتفصيله في الحضانة والولاية‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

المنع‏:‏

2 - من معاني المنع في اللّغة‏:‏ الحرمان، وفي الاصطلاح‏:‏ هو تعطيل الحكم مع وجود سببه، كامتناع الميراث مع وجود القرابة الموجبة له بسبب اختلاف الدّين - مثلا - والمنع في الإرث أكثر ما يستعمل في الحجب بالوصف، أمّا الحجب فيستعمل في الحجب بالشّخص‏.‏

الحجب في الميراث

3 - الحجب مطلقا قسمان‏:‏ حجب بوصف، وهو المعبّر عنه بالمانع، وحجب بشخص، وهو قسمان‏:‏ حجب حرمان، وهو أن يسقط الوارث غيره بالكلّيّة‏.‏ وهو لا يدخل على ستّة من الورثة إجماعا، وهم‏:‏ الأبوان والزّوجان والابن والبنت وضابطه‏:‏ كلّ من أدلى بنفسه إلى الميّت إلاّ المعتق‏.‏ والثّاني‏:‏ حجب نقصان‏:‏ وهو حجب عن نصيب أكثر إلى نصيب أقلّ‏.‏ وهو لخمسة من الورثة‏:‏ الزّوجين، والأمّ، وبنت الابن، والأخت لأب، والإخوة لأمّ‏.‏ وللحجب مطلقا قواعد يقوم عليها، وهي‏:‏ الأولى‏:‏ أنّ من يدلي إلى الميّت بوارث يحجب حجب حرمان عند وجود ذلك الوارث إلاّ الإخوة لأمّ مع وجود الأمّ‏.‏ الثّانية‏:‏ أنّ الأقرب يحجب الأبعد إذا كان يستحقّ بوصفه ونوعه‏.‏ الثّالثة‏:‏ أنّ الأقوى قرابة يحجب الأضعف منه‏.‏ وفي ذلك تفصيل سبق في مصطلح إرث ‏(‏ج 3 ص 45 فقرة 45‏)‏ من الموسوعة‏.‏ وفي تطبيق هذه القواعد التّفصيل التّالي‏:‏ فابن الابن يحجبه الابن أو ابن ابن أقرب منه لإدلائه به إن كان أباه، أو لأنّه عصبة أقرب منه، ويحجبه كذلك أبوان وبنتان للصّلب باستغراقهم للتّركة‏.‏ والجدّ أبو الأب وإن علا لا يحجبه إلاّ الأب أو جدّ أقرب منه متوسّط بينه وبين الميّت تطبيقا لقاعدة أنّ من أدلى بشخص لا يرث مع وجوده إلاّ أولاد الأمّ، والأخ الشّقيق يحجبه الأب والابن وابن الابن وإن سفل لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد‏}‏ وهذه المسألة مجمع عليها بين الفقهاء‏.‏

4 - واختلفوا فيما إذا كان الإخوة الأشقّاء والإخوة للأب يحجبون بالجدّ أبي الأب وإن علا‏:‏ فذهب أبو حنيفة إلى أنّ الجدّ يحجب الإخوة سواء أكانوا أشقّاء أو لأب للآية المذكورة حيث إنّ الكلالة - سواء كانت اسما للميّت الّذي لا ولد ولا والد له حسب اختلاف العلماء في تفسيرها - لا تشمل الجدّ لأنّه والد للميّت، وإلى هذا ذهب أبو بكر الصّدّيق وعبد اللّه بن عبّاس رضي الله عنهم‏.‏

5- وذهب جمهور العلماء وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وصاحبا أبي حنيفة إلى أنّ الجدّ لا يحجب الأخ الشّقيق أو لأب بل يرث معه والأخ لأب يحجبه هؤلاء والأخ الشّقيق‏.‏

وابن الأخ لأبوين، يحجبه ستّة وهم الأب، والجدّ أبو الأب وإن علا، والابن وابن الابن وإن سفل والأخ لأبوين، والأخ لأب‏.‏ وابن الأخ لأب يحجبه سبعة وهم هؤلاء السّتّة وابن الأخ لأبوين‏.‏

والعمّ لأبوين يحجبه ثمانية وهم الأب والجدّ وإن علا والابن وابن الابن وإن سفل والأخ لأبوين والأخ لأب وابن الأخ لأبوين وابن الأخ لأب‏.‏ والعمّ لأب يحجبه تسعة وهم هؤلاء الثّمانية والعمّ الشّقيق‏.‏

وابن العمّ الشّقيق يحجبه عشرة وهم الأب والجدّ أبو الأب وإن علا والابن وابن الابن وإن سفل والأخ الشّقيق والأخ لأب وابن الأخ الشّقيق وابن الأخ لأب والعمّ الشّقيق والعمّ لأب‏.‏ وابن العمّ لأب يحجبه هؤلاء العشرة، وابن العمّ الشّقيق‏.‏ وهذه المسائل متّفق عليها بين الفقهاء‏.‏

6 - وبنت الابن يحجبها الابن لأنّه أبوها أو عمّها وهو بمنزلة أبيها وتحجبها بنتان لأنّ الثّلثين فرض البنات ولم يبق منه شيء إلاّ إذا كان معها ابن ابن يعصبها فحينئذ تشترك معه فيما بقي بعد ثلثي البنتين ‏{‏للذّكر مثل حظّ الأنثيين‏}‏

والأخوات لأبوين أو لأب كالإخوة لأبوين أو لأب في الحجب إلاّ أنّ الأخ الشّقيق يحجب الأخوّة لأب وإن كثروا‏.‏

والأخت لأب فأكثر يحجبهنّ أختان لأبوين، لأنّ الثّلثين فرض الأخوات ولم يبق منه شيء‏.‏

وأولاد الأمّ يحجبهم أربعة وهم الأب والجدّ أبو الأب وإن علا، والولد للصّلب ذكرا كان أو أنثى، وولد الابن كلّ ذلك وإن سفل‏.‏ وهذا مجمع عليه بين الفقهاء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث‏}‏‏.‏ وأجمع الفقهاء كذلك على أنّ الجدّة تحجب بالأمّ سواء أكانت من جهة الأمّ أم من جهة الأب لأنّ الجدّات يرثن بالولادة فالأمّ أولى لمباشرتها الولادة، كما أجمعوا على أنّ القربى من كلّ جهة تحجب البعدى من هذه الجهة لقربها إلى الميّت‏.‏

7 - ولكنّهم اختلفوا في مسألتين من مسائل حجب الجدّة‏:‏ أوّلاهما‏:‏ فيمن تحجب الجدّة الّتي من جهة الأب غير الأمّ‏.‏ فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ الأب يحجب الجدّة الّتي من جهته لأنّها تدلي به إلى الميّت ومن أدلى بشخص لا يرث معه إلاّ أولاد الأمّ كما سبق ذكره‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّ الأب لا يحجب هذه الجدّة بل ترث معه، واستدلّوا بما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏أوّل جدّة أطعمها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم السّدس أمّ أب مع ابنها وابنها حيّ‏}‏‏.‏ ولأنّ الجدّات أمّهات يرثن ميراث الأمّ لا ميراث الأب فلا يحجبن به كأمّهات الأمّ‏.‏

وثانيتهما‏:‏ هل القربى من الجدّات تحجب البعدى من الجهة الأخرى ‏؟‏ فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ القربى من جهة الأمّ تحجب البعدى من جهة الأب، وأنّ القربى من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأمّ، لأنّ الأب لا يحجبها فالجدّة الّتي تدلي به أولى أن لا تحجبها‏.‏ وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ القربى من أيّ جهة كانت تحجب البعدى من أيّ جهة كانت كذلك لقوّة القرابة‏.‏

8 - واتّفق فقهاء المذاهب ومن سبقهم من علماء السّلف وعامّة الصّحابة على أنّ من لا يرث لمانع فيه كالقتل أو الرّقّ لا يحجب غيره لا حرمانا ولا نقصانا بل وجوده كالعدم‏.‏ وخالفهم في ذلك عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه فقال‏:‏ إنّ المحروم من الإرث يحجب غيره حرمانا ونقصانا‏.‏ كما اتّفق هؤلاء على أنّ المحجوب بشخص يحجب غيره حجب نقصان‏.‏ وأجمعوا كذلك على أنّ المعتق يحجبه عصبة النّسب، لأنّ النّسب أقوى من الولاء‏.‏ أمّا ما يتّصل بحجب النّقصان فيرجع فيه إلى مصطلح‏:‏ ‏(‏إرث‏)‏‏.‏